مقاربات البحث في علم المكتبات والتوثيق / د. مهنيّ أقبال،
مقدّمــة:
يعتبر إقتصاد المكتبات من العلوم الحديثة النشأة و هو ما يزال في مرحلة الطفولة و لم تتحدّد معالمه بعد مقارنة بالعلوم الأخرى رغم أن ظهور المصطلح يعود إلى سنة 1627 حيث ألّف Gabriel Naudé كتاب تحت عنوان Advis pour dresser une bibliothèque1 و ألّح فيه على ضرورة إنشاء هذا العلم و تحديد معالمه.
و في سنة 1839 أعاد HesseLéopold Auguste Constantinاستعمال مصطلح اقتصاد المكتبات
في كتاب له تحت عنوان Bibliothéconomie: Nouveau manuel complet pour l'arrangement, la construction et l'administration des bibliothèques و عرّف المصطلح كما يلي: " هو "الجانب التكنولوجي" للببليوغرافيا"2
و تعود أول محاولة للتنظير في مجال علم المكتبات و التوثيق إلى Paul Otletسنة 1934 حيث أحدث قطيعة معرفية (Rupture épistémologique)و حاول نمذجة التقنيات الوثائقية، و قد استطاع من خلال ذلك وضع الإقتراحات الأولى بين النظرية و التطبيق في علم المكتبات و التوثيق و كتب ما يلي:
"إن التنهيج العلمي للكتاب و الوثيقة تفرض نفسها، فإنطلاقا من وحدة مبدئية تتسع مجموعة وحدات أكثر فأكثر، لتشمل في الأخير كل الوحدات الموجودة أو التي يرجى تحقيقها، في هيئة تهدف في الأساس الوحدة الوثائقية الفردية المشكّلة من مجموعة كتب الفرد و أوراقه، الوحدة الوثائقية الجماعية للمؤسسات، المنظمات، الهيئات؛ كينونة المنظمات المتخصصة في الكتب و الوثائق، مجموعة وظائفها أو البعض منها."*3
يزوّد علم المكتبات العلوم المختلفة بالمعلومات و الوثائق الضرورية من أجل تطوّرها، فهو يسيّر و ينظّم مختلف المعارف و التخصّصات. و في المقابل يستعير علم المكتبات من العلوم الأخرى مناهج، مصطلحات و قوانين تساعده على تشكيل و بناء قاعدة منهجية و نظرية متينة.
بالرغم من أن علم المكتبات لا يتوفّر على منهجية بحث خاصة به إلاّ أنه يوفّر مجال بحث في غاية الأهمية يمكن من خلاله تطبيق العديد من المقاربات، و ممّا يساهم في توسيع إشكاليتة العامة هو تدخّل العديد من الأخصائيين في مجالات عدّة من المعرفة و هذا ما يؤدي إلى الإعتراف أن هذه الإشكالية لا يمكن تصوّرها إلاّ في إطار متعدد التخصصات.
1 – مفهوم المنهج:
يعتبر René Descartes أول من أدرج مصطلح المنهج بمفهومه الحديث في كتابه Discours de la méthodeسنة 1637 حيث كتب ما يلي:
"Ainsi mon dessein n'est pas d'envisager ici la méthode que chacun doit suivre pour bien conduire sa raison, mais seulement de faire voire en quelle sorte j'ai taché de conduire la mienne"4
يمكن اعتبار المنهج انطلاقا من هذه المقولة كتحليل المسار الذي يجب أن يسلكه الباحث من أجل الوصول إلى نتائج و هو أيضا عبارة عن قاعدة نظرية من الضروري لهذا المسار أن يتقيّد بها. و قد قال Ledrut,R. في هذا الصدد ما يلي :
"La méthode comme objet n'est ni avant ni après! Toujours présente, elle est en rapport permanent d'action réciproque avec l'objet (et le sens) de la science. La méthode naît à chaque instant de la réflexion sur la spontanéité du mouvement de recherche"5
على الباحث إذن إتخاذ العديد من القرارات الإختيارية و تفضيل البعض منها على الأخرى أثناء القيام بالبحث.
و قد صدر عن Edgar Morin كتاب في ستة أجزاء تحت عنوان La Méthode و يقول في الجزء الأول La nature de la nature ما يلي:
"A l'origine, le mot méthode signifiait cheminement. Ici, il faut accepter de cheminer sans chemin, de faire le chemin dans le cheminement […] la méthode ne peut se former que pendant la recherche; elle peut se dégager et ne se formuler qu'après, au moment où le terme redevient un nouveau point de départ, cette fois doté de méthode"6
1 – المقاربة التاريخية
تتمثل مجالات إهتمام المقاربة التاريخية حين تطبيقها في علم المكتبات و التوثيق في رصد الأحداث المتعلّقة من قريب أو بعيد بهذا العلم كتخصّص و بالمكتوب و الهيئات التوثيقية كموضوع لهذا التخصص، كما أن تقسيم الأحداث وفقا لأصناف متجانسة، البحث عن التسلسل السببي لهذه الأحداث هي أيضا مواضيع تدرج ضمن مجالات اهتمام المقاربة التاريخية.
تتعامل هذه المقاربة مع أحداث وقعت في الماضي و بالتالي يتوصّل الباحث إلى النتائج بناءا على الأدلّة التاريخية التي يمكن الحصول عليها في الحاضر و على هذا الأساس فإن تصميم نموذج لقراءة و بحث مختلف الأحداث التي وقعت في الماضي و التي لها علاقة بالوثيقة وعاء الفكر و المعرفة و من ثمّ مطابقتها مع الإشكالية العامة لعلم المكتبات سيساهم في فهم أنظمة التسيير الماضية و الحالية عندما نريد أن نجري عليها بحثا نقديا و مقارنا.7
2 – المقاربة الوظيفية البنيوية
يقوم التحليل الوظيفي على الربط بين جزء من النظام الاجتماعي و جزء آخر أو بين جزء و بقيّة الأجزاء8 تتمثل وظيفة كل جزء في المساهمة التي يقدّمها للحياة العامة للهيئة و في الدور الذي تلعبه و بالتالي فإن حياة الهيئة في نهاية المطاف مرتبطة بوظيفة بنيتها، فمن خلال ديمومة وظيفتها تتحقّق استمرارية بنيتها.
و يعتبر Emile Durkheim أوّل من قدّم الصياغة المنهجية الأولى لمصطلح الوظيفة من أجل الدراسة العلمية للمجتمع، و يُعرّف وظيفة المؤسسات الإجتماعية على أنها توافق و تطابق بين المؤسسة و حاجيات الهيئة الإجتماعية.9
يقول Durkheim: حينما نريد دراسة ظاهرة اجتماعية ما يجب أن نبحث بصفة منفصلة عن السبب الذي ينتجها والوظيفة التي يؤديّها.10 و بما أن الهيئات الوثائقية عبارة عن مؤسسات اجتماعية فإن المقاربة البنيوية، الوظيفية تجد معنى و مجال تطبيق لها في علم المكتبات و التوثيق.
تعتبر السلسلة الوثائقية أحسن مثال لتطبيق هذه المقاربة حيث تشكّل العمود الفقري و السبب الذي وُجدت من أجله الهيئات الوثائقية.
تتكون السلسلة الوثائقية من مجموعة من الحلقات، مرتبطة و متداخلة فيما بينها، لكل حلقة وظيفة تميّزها و أي خلل في إحدى الوظائف سيؤدي لا محال إلى خلل في بقيّة الوظائف و بالتالي في بنية الهيئة الوثائقية.
3 - المقاربة النسقية
إن الهيئة التوثيقية هي حقل من الحقول التي تتداخل فيها عوامل بشرية، مادية، مالية، تنظيمية، اجتماعية، سياسية، قانونية، اقتصادية و ثقافية و هذا يجعل من الصعب التعرّف و تحديد النقائص و الخلل التي يمكن أن تحويها. في هذه الحالة فإن المنهجية و الإشكاليات التي تطرحها المقاربة النسقية تشكّل أدوات منهجية تمكّن الوثائقيين و الباحثين من إيجاد حلول مناسبة للمشاكل التي تطرح على مستوى هيئاتهم بطريقة تجعلها تتطوّر نحو انسجام كامل11
إن إسهام المقاربة النسقية في علم المكتبات يمكن تلخيصه فيما يلي:
1 – تسمح بتوحيد المصطلحات و المفاهيم.
2 – هي أداة تسمح بدراسة الهيئة التوثيقية بصفتها هيئات خاضعة لأحكام تنظيمية.
3 – إن وجود علاقات بين العناصر التي تكوّن الهيئة التوثيقية تجعل من المقاربة النسقية مقاربة تركيبية من أجل فهمها و فهم الظواهر المتعلّقة أو المرتبطة بها.
4 – إن المقاربة النسقية تسمح بإدراج مفاهيم ديناميكية و تطوّرية و التي هي خاصيات خارجية عن كل الظواهر و لكن تبقى معلما مقبولا و هاما لدراسة الهيئات التوثيقية.
5 – هي أيضا وسيلة من أجل فهم بطريقة عملية الأهداف المخوّلة للهيئات التوثيقية و الحاجيات التي يعبّر عنها المستفيد شريكها الضروري.
4 - المقاربة الدوّلية
إن ما يمكن تمييزه منذ قرابة القرن من الزمن ظاهرة النمو المتزايد للإنتاج الوثائقي، هذه الظاهرة التي يسميّها البعض بظاهرة "الإنفجار الوثائقي" جاءت نتيجة عدّة عوامل من بينها التطوّر المتكامل للبحث العلمي و الإبداعات التقنية و التكنولوجية و الذي تجسّد في الحجم اللامحدود للوثائق المنتجة عبر العالم، فالبحث العلمي ينتج عنه وثائق و هذه الأخيرة ينتج عنها معارف و أفكار جديدة و يمكن تقديم ذلك في مخطط و تفسيره على أن العلم يتغذّى من العلم و/أو العلم يُغذًي العلم و من هنا تتضّح الميزة التراكمية التي يختص بها العلم.
إلاّ أن نصيب الإنتاج الوثائقي يختلف من دولة لأخرى و ما يمكن تمييزه في هذا الصدد هو إتّساع الهوّة أكثر فأكثر بين دول شمال القارة التي تملك الوثائق و دول الجنوب التي تفتقر لها. و فيما يلي بعض الأرقام التي توضّح ما تقدّمنا به، فالولايات المتحّدة الأمريكية تملك لوحدها 25.4%12 من الإنتاج الفكري العالمي، أماّ البلدان العربية و التي تمثل 5% من تعداد سكان العالم فلا تنتج لحدّ الآن سوى 1% من الإنتاج الفكري العالمي.
و بالمناقض و على الرغم من أن كل الوثائق المنتجة على الصعيد العالمي هي من نصيب دول الشمال نجد أن دول الجنوب يمكن لها أن تصل إلى هذه الوثائق وعاء الفكر و المعرفة و تملكها حيث يميّزها طابعها العالمي.
5 – المقاربة القطاعية
إن الإنفجار الوثائقي و تعدّد التخصصات و اللغات التي تنشر بها الوثائق هي عوامل تجعلنا نتحدث عن المقاربة القطاعية من أجل تحديد إشكالية جمع الوثائق على الصعيدين الكليّ و الجزئي.
يمكن التمييز في هذا الصدد بين مفهومين هامّين: علم المكتبات الجزئي و علم المكتبات الكلّي. يتمثل الأول قي جمع، معالجة، حفظ و بث الوثائق الضرورية في هيئة ما من أجل تحقيق أهدافها المتمثّلة في خدمة المستفيدين العاملين منها أماّ علم المكتبات الكليّ فيتمثل في تخطيط و تسيير الهيئات التوثيقية في إطار قطاعي و متعدّد التخصصات قد يكون على مستوى جهوي، وطني أو دوّلي.13
تسمح المقاربة القطاعية بما يلي:
1 – معرفة وجود حاجيات وثائقية خاصة بقطاع ما.
2 – تحديد النصيب الوثائقي الذي يجب إقتناءه لكل قطاع.
3 – حصر الحاجيات المشتركة لكل القطاعات.
4 – دعم قطاع ما مقارنة بالقطاعات الأخرى نظرا لطابعه الأولوي و/أو الإستراتيجي.
إن الشمولية éExhaustivit و الدّقة Pertinenceيعتبران قاعدتان متناقضتان نوعا ما و لكن في غاية الأهميّة حيث يمكن إعتمادهما في هذه المقاربة. بعبارة أخرى، على الهيئة التوثيقية إقتناء كل ما هو مهّم من الإنتاج الفكري في مجال محدّد.
لكن و نظرا لاستحالة تحقيق ذلك بسبب نقص الموارد المالية من جهة و تعدّد لغات الوثائق و أشكالها من جهة أخرى، تلجأ المكتبات إلى العمل في إطار الشبكات من أجل تقاسم الموارد و هي من بين القضايا التي يمكن للباحث في هذا المجال التعرّض لها.
6 - مقاربة المستفيد
إن إشكالية جمع الوثائق مرتبطة بعنصر آخر و هو المستفيد، فهذا الأخير يلعب دورا بارزا في السلسلة الوثائقية و غالبا ما يتم الرجوع إليه و الاستعانة به من أجل تحديد سياسة اقتناء و جمع الوثائق، كما يتمّ إدراجه في تقنيات و مناهج معالجة هذا الكم الوثائقي.
لقد حاول العديد من المؤلفين14حصر المستفيد كحلقة فاعلة في صيرورة بث المعلومات و الوثائق حيث أخذت النماذج المطروحة المستفيدين بعين الاعتبار.
و بالتالي فإن التفاعل بين الهيئة التوثيقية و المستفيد ليست مجسّدة فقط في مجموعة من المهام التقنيّة التي يجب تنفيذها إنمّا هي أيضا وضع إشكالية من أجل تحديد حاجيات المستفيدين الوثائقية و التي سينتج عنها إستراتيجية لبث الوثائق(15).
يسعى الباحث من خلال استعماله لهذه المقارية إلى التعرّف على المستفيدين الفعليين أو المحتملين و سلوكهم و احتياجاتهم و ذلك بغرض تلبية حاجياتهم و العمل على التحسين من الخدمات المقدّمة لهم.
إن إشكالية تحديد الحاجيات الوثائقية يمكن تقريرها انطلاقا من سياقين مختلفين: الأول يفسّر غزارة الوثائق بمعنى أن المستفيد يجد أمامه قنوات رسمية و غير رسمية عديدة لتلبية حاجياته الوثائقية بينما يميّز السياق الثاني عكس الأول عوز و نقص الوثائق أي أن المستفيد لا يتوفّر على وسيلة و قناة أخرى غير تلك المقترحة عليه.
7 – المقاربة الأخلاقية
إن وجود فعل اتصالي دوري بين الهيئة التوثيقية و المستفيدين من خدماتها يبرّر تطبيق المقاربة الأخلاقية في علم المكتبات و التوثيق.
إن القيم التي يتميّز بها الوثائقي كلّها قيّم ستؤدي دراستها إلى فهم الفعل الإتصالي. صحيح أنها قيّم أخلاقية تقديرها يختلف من سياق سوسيو ثقافي لآخر لكن لا يمكن تجاهلها و إخفائها في سير الوحدات التوثيقية.
إن الباحث في علم المكتبات والتوثيق يمكنه دراسة المواضيع المتعلّقة بأخلاقيات المهنة و يتطرّق إلى جوانب منها كواجبات الوثائقي تجاه المجتمع، المستفيد، المهنة و الرصيد الوثائقي.
8 – المقاربة الإيديولوجية
إن الإيديولوجية أيضا مرتبطة ارتباطا وثيقا بعلم المكتبات و التوثيق حيث تشكّل مُؤشًرا مُعبًرا في دراسة إنتاج، جمع، معالجة، بث و حفظ الوثائق.
هناك علاقة جدلية بين الإيديولوجيا و الهيئات التوثيقية فهذه الأخيرة يمكن أن تتحول إلى هيئات مزوّدة بالمعلومات التي يمكن أن تستند إليها سير الأنظمة الإيديولوجية و بالتالي ستعكس سياسة الإقتناء الإيديولوجية السائدة آنذاك. من جهة أخرى نجد أن الأجيال المتعاقبة ورثت الإيديولوجيات المختلفة من خلال الرصيد الوثائقي المحفوظ في المكتبات.
إن انتهاج إيديولوجية محدّدة سيؤدي إلى تكوين رصيد لا يمثّل مختلف التيارات و التوجّهات و ذلك نتيجة فرض الرقابة و الحجب على الوثائق، و لقد بيّنت العديد من القضايا خلال القرن الماضي إلى أيّ مدى تهتم المؤسسات الدينية و السياسية بأنواع الوثائق التي يتمّ بثّها للمستفيدين.
و عملية الحجب هي كل محاولة صادرة عن هيئة ما تهدف إلى منع أو الحّد العمدي لبث الكتب، الدوريات، الصحف لأغراض ذات طبيعة أخلاقية، دينية، فلسفية، سياسية، إيديولوجية أو ثقافية16. فعملية الحجب في نهاية المطاف ترجع بالدرجة الأولى إلى إتًباع إيديولوجية معيّنة من طرف الهيئة التوثيقية و هي غالبا ما تعكس السياسة العامة المنتهجة من طرف الدولة.
يمكن الحديث عن الإيديولوجية أيضا في طريقة تنظيم المعارف، فالتصانيف المختلفة تعبّر في بعض الأحيان عن أبعاد إيديولوجية فعلى سبيل المثال تصنيف (BBk)Classification Bibliothéco-Bibliographiqueالذي تمّ نشره ما بين سنة 1960 و 1968 في الإتحاد السوفياتي سابقا يعكس الإيديولوجية الماركسية، نفس الشيء بالنسبة لتصنيف الكولون لرانجاناتان الذي تمّ تأسيسه انطلاقا من الفكر الهندوسي17.
9 – المقاربة الإقتصادية
المقاربة الإقتصادية من المقاربات الهامة التي يمكن توظيفها في علم المكتبات و التوثيق و يمكن تفسير ذلك من خلال ما يلي: إن الوثيقة وعاء الفكر و المعرفة هي منتوج يسيّره قانون العرض و الطلب و هذا ما يجعلنا نتحدث عليها في هذا السياق باعتبارها سلعة اقتصادية تختلف دراستها و تحليلها من نظام فكري اقتصادي لآخر و حتى المعلومة المتضمّنة في الوثيقة أصبحت تعتبر كصناعة.
و صناعة المحتوى تغذّي الشبكات ووسائل الاتصال و هي تمثّل في وقتنا الحالي الخدمات الجديدة المصنعة التي أصبحت في قلب الاقتصاد المعاصر و هي مركز التحوّلات الحاصلة في العديد من المجالات.
إن التحليل الاقتصادي يسمح بتوضيح الظروف التي يتمّ فيها تبادل و بث التدفّق المعلوماتي على الصعيد العالمي و لقد ساهمت و استحوذت النظريات الاقتصادية على المسائل الخاصة بالمعلومات حيث ظهرت عدّة مقاربات للدراسة الاقتصادية للمعلومات نذكر من بينها ما يلي:
- النظريات "العامة": اقتصاد المعلومات و من بين المنظرين في هذا المجال ( G. J. Stigler, F.Machlup, C. Shapiro, H.R. Varian, M. U. Porat) أو اقتصاد المعرفة (F. Von Hayek, D. Foray, …)
- المقاربات التي ركّزت على أحد العناصر مثل: اقتصاد الشبكات، اقتصاد تكنولوجيات الإعلام و الإتصال، إقتصاد التحوّلات التقنية، اقتصاد الإنتاج الثقافي، الاقتصاد المؤسساتي....
- الاقتصاديات القطاعية: كاقتصاد الثقافة، اقتصاد وسائل الإعلام، اقتصاد التوثيق و المعلومة المتخصّصة 18.
إن دراسة الجوانب الإقتصادية للمكتبات و التوثيق يمكن تصنيفها ضمن المواضيع التي تعالج العلاقة بين الإقتصاد و الإعلام من جهة و الإقتصاد و الثقافة من جهة أخرى.
فوجهة نظر المختص في الإعلام ستلتقي مع أعمال الباحثين الذين يعالجون مواضيع كإقتصاد الخدمات وهنا نجد أن المكتبة لا تتدخل في هذا الإطار إلاّ حينما يتم إنتاج الوثيقة.
أماّ وجهة نظر المختص في الثقافة فيضع المكتبة في إطار آخر و المتمثّل في المؤسسات الثقافية التي تتلقّى دعما ماليا19.
و بصفة عامة يمكن أن نقول أن الوثائق كصناعة و دورها في التنمية الوطنية هي اشكاليات يمكن الوقوف عليها و توضيحها بتطبيق هذه المقاربة. كما يمكن أن ندعم أن الهيئة التوثيقية هي شبيهة بمؤسسة.
خاتمة:
يمكننا القول في نهاية هذا المقال أن الدراسات الوثائقية تغطي نوعين من النشاط الفكري. نجد من جهة منتجي الوثائق و من جهة أخرى القائمين على تسييرها.
و بالرغم من التداخل الذي يميّز القطبين، يجب التأكيد على أن كل من منتجي الوثائق و مسيًريها ليس لديهم نفس التفكير حول الموضوع المشترك بينهم و هو الوثيقة.
فضلا عن ذلك فإن المكتبي الوثائقي الممارس لليقظة العلمية و التكنولوجية هو إنسانا واعيا بمختلف مجالات البحث لأنه يسيطر على الأدوات التي تسمح له بتقييم حالة البحث في أي تخصص كان و من ثمّ الخروج بأفكار جديدة و مجالات بحث مستقبلية ضف إلى ذلك فإن المكتبة عبارة عن مؤسسة اجتماعية تُؤثر و تتأثر بالظروف الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية، الثقافية المحيطة بها.
كل ما تقدّمنا به يجعلنا نؤكد أن مجال علم المكتبات و التوثيق مجالا خصبا من أجل القيام بأبحاث متنوّعة و يرجع ذلك لكونه علم متداخل التخصصات يستعين بالعلوم الأخرى ممّا يفسّر وجود مقاربات عديدة تسمح بفهم كل ما يحيط بالوثيقة.