( وعجلت اليك ربى لترضى) باسمك ربى ابدأ
بسم الله الرحمن الرحيم
ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ,من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له , وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن سيدنا محمد عبد الله ورسوله
امرنا الله فى كتابه العزيز أن ندعوه بأسمائه الحسنى
قال تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون فى أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ) الاعراف -180
وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ان لله تسعه وتسعين اسما مائه الا واحدا من أحصاها دخل الجنة )
وقال ابن القيم : ( العلم بأسمائه واحصاؤها أصل لسائر العلوم , فمن أحصى أسماءه كما ينبغى أحصى جميع العلوم )
ومراتب الاحصاء ثلاث مراتب :
الاولى : احصاء ألفاظها وعددها
الثانية : فهم معانيها ومدلولها
الثالثه : دعاؤه بها وتنقسم الى قسمين : ( دعاء طلب ومسأله - دعاء ثناء وعبادة )
السؤال هنا الذى يطرح على عامة المسلمين وخاصتهم , ما هى الاسماء الحسنى التى ندعو الله بها ؟
ان المتفق علي ثبوته وصحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الاشارة الى العدد 99 فى الحديث السابق , لكن لم يثبت عن النبى تعيين الاسماء الحسنى او سردها فى نص واحد
فكيف ظهرت الاسماء التى يحفظها الناس لاكثر من ألف عام والتى انشدها كل منشد وكتبت على الحوائط فى كل مسجد
فى نهاية القرن الثانى ومطلع القرن الثالث الهجرى حاول ثلاثه من رواة الحديث جمعها باجتهادهم , اما استنباطا من القراءن والسنة أو نقلا عن اجتهاد الاخرين من زمانهم وهم :
الوليد بن مسلم مولى بنى أمية وهو عند علماء الجرح والتعديل كثير التدليس فى الحديث
عبد الملك بن محمد الصنعانى وعندهم ممن لا يجوز الاحتجاج بروايته لانه ينفرد بالموضوعات
عبد العزيز بن الحصين وايضا لا يعتد به لانه ضعيف كما قال الامام مسلم
وما جمعه الوليد بن مسلم هو الذى اشتهر بين الناس منذ أكثر من ألف عام كما انه الاسماء التى كان يذكرها للناس لم تكن واحدة فى كل مرة
ولم تكن متطابقه ,
والقصد من سرد هذه القصة فى بداية معرفتنا باسماء الله الحسنى فى هذا الموقع الذى أسال الله ان يجعله مبارك ويتقبله منا أن نوضح أن هذه الاسماء التى نحفظها كلنا ليست نصا من حديث النبى صلى الله عليه وسلم
ولان علماء الامة اتفقوا على أختلاف مذاهبهم على انه يجب الوقوف على ما جاء فى الكتاب والسنة بذكر اسماء الله نصا دون زيادة أو نقصان , وان اسماء الله توقيفيه على النص لا مجال للعقل فيها ولا تؤخذ قياسا واعتبارا من جهه العقول
ولابد فى كل اسم من دليل نصى صحيح يذكر فيه الاسم بلفظه وليس الاشتقتاق ( أى نشتق أسم من صفات الله او أفعاله ) فلا نسمى الله الا بما سمى به نفسه فى كتابه أو فى سنه رسوله
أمثله لما نقع فيه من الخطأ من اعتبار بعض صفات الله وافعاله من أسمائه الحسنى
1- المعز المذل ( استنادا الى قوله ( وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير ) ) ال عمران -26
2- المبدئ المعيد ( استنادا الى قوله ( قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده ) يونس -34
3- الجليل ( استنادا الى قوله ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ) لانه صفه لله عز وجل الرحمن -27
4- الضار النافع ( لم يرد اسما ولا فعلا ولا وصفا فى القراءن والسنة ) وكيف يكون الضار اسما والمفترض أن تكون الاسماء التى نحصيها كلها حسنى تفيد المدح والثناء على الله
فالواجب على كل مسلم أن يقف عند النص , ان ورد فيه الاسم سمى الله به وان لم يرد فليس لاحد الحق فى تسمية الله عز وجل, وان صح معناه فى حق الله مثل ( العدل) ليس له دليل ..
ولذلك من الضرورى قبل حفظ الاسماء الحسنى ان نتعرف عليها, ثم فهم دلالتها وبيان المواضع فى الكتاب والسنة, ثم البحث عن كيفيه الدعاء بها دعاء مسأله ودعاء عبادة.
تمييز الاسماء الحسنى الثابتة فى الكتاب والسنة .
باذن الله وحوله وقوته نحاول اليوم ان نمييز الاسماء الحسنى الثابته فى الكتاب والسنة
نجد عندنا لبس كبير يحدث عند ورود حديثين صحيحين عن نبينا عليه الصلاه والسلام
وهما :
1- حديث ابى هريرة رضى الله عليه , بقول النبى صلى الله عليه وسلم : ( ان لله تسعه وتسعين اسما مائه الا واحدا من أحصاها دخل الجنة )
وهنا يستند اليه فى حصر أسماء الله الحسنى فى التسعه والتسعين وهنا رأى ابن حزم الاندلسى .
2- حديث ابن مسعود رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى دعاء الكرب : ( ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال : اللهم انى عبدك وابن عبدك وابن أمتك, ناصيتى بيدك , ماض فى حكمك , عدل فى قضاؤك , أسألك بكل اسم هو لك , سميت به نفسك , أو أنزلته فى كتابك , أو علمته أحدا من خلقك , أو استاثرت به فى علم الغيب عندك , أن تجعل القرآن ربيع قلبى , ونور صدرى وجلاء حزنى وذهاب همى . الا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجا , فقيل : يا رسول الله ألا نتعلمها ؟ فقال : بل ينبغى لمن سمعها أن يتعلمها ) .
وهنا يستند اليه فى التوسع فى احصاء أسماء الله الحسنى عن طريق اشتقاق اسماء الله من أفعاله وأوصافه وهذا رأى الفريق الاخر .
أما الفريق الثالث : فهو فريق وسط تولى وجهته ابن تيميه وتلميذه ابن القيم فاتفقوا على أن الاسماء الحسنى توقيفيه على النص , لكن أحدا منهم لم يستطيع جمعها بتمامها أو حصرها من الكتاب والسنة فأخذوا بالروايتين الثابتتين معا .
وهنا نوضح أنه مما لا شك فيه أن جملة أسماء الله الحسنى الكليه تعد أمرا من الآمور الغيبيه التى أستاثر الله بها وأنها غير محصورة فى عدد معين وهذا ظاهر فى رواية ابن مسعود ولا يفهم من حديث أبى هريرة الذى ورد فيه النص على 99 اسما حصرها جميعها بمجموعها الكلى, لان المقصود باحصاء هذا العدد احصاء الاسماء الحسنى التى تعرف الله عز وجل بها الى عباده فى كتابه وسنة رسوله
.لو كان المراد الحصر لقال النبى صلى الله عليه وسلم : ان أسماء الله تسعه وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنه
قال ابن القيم : ( الاسماء الحسنى لا تدخل تحت حصر ولا تحد بعدد , فان لله تعالى أسماء وصفات استاثر بها في علم الغيب عنده لا يعلمها ملك مقرب ولا نبى مرسل كما فى الحديث الصحيح , فجعل أسماءه ثلاثة اقسام : قسم سمى به نفسه فأظهره لمن يشاء من ملائكته أو غيرهم ولم ينزل به كتابه ,وقسم أنزل به كتابه فتعرف به الى عباده , وقسم استاثر به فى علم غيبه فلم يطلع عليه أحد من خلقه , ولهذا قال : استاثرت به , أى انفردت بعلمه ) .
نحن الان اتفقنا أن أسماء الله لا تعد ولا تحصى فهو سبحانه الذى يعلم عددها , أما تخصيص بعضها بتسعة وتسعين و تأكيد النبى صلى الله عليه وسلم بقوله مائه الا واحدا فالعله فى ذلك(رأى الكاتب) والله أعلم أن كل مرحلة من مراحل الخلق يظهر فيها الحق سبحانه وتعالى من أسمائه وصفاته ما يناسب الغايه من وجودها .
فمثلا فى مرحلة الدنيا وما فيها من شهوات وشبهات واختلاف وتباين فى الآراء , وتقليب الامور للانسان على أنواع الابتلاء, وحكمة الله فى تكليفه بالشرائع والاحكام , وتمييز الحلال من الحرام , فى هذه الحالة تعرف الله الى عباده بجمله من اسمائه وصفاته تناسب حاجة الانسان وضرورياته .
مثل :
المذنب من العباد ان أراد التوبة سيجد الله توابا رحيما عفوا غفورا.
المظلوم سيجد الله حكما وليا نصيرا.
الفقير سيجد الله رزاقا حسيبا مقيتا وكيلا .
الضعيف سيجد الله قويا عزيزا جبار .
ان الدنيا خلقت للابتلاء فان الله قد عرفنا بما يناسبنا ويناسبها من الاسماء وقد لا ينفع الدعاء بهذه الاسماء أو بعضها فى مرحله اخرى مثل يوم القيامة , فلا ينفع أن يدعو الكفار والمشركون ربهم يوم القيامة باسمه العظيم الرفيق الواسع الفتاح الرءوف الودود اللطيف الغفور الغفار العفو التواب , ولا أن يقبل توبتهم , ولا أن يرحمهم , فان ذلك لا يتحقق لمخالفته مقتضى الحكمه .
وقد بين النبى صلى الله عليه وسلم عند مجئ الحق للفصل يوم القيامة يغضب غضبا شديدا لم يغضب قبله مثله , ولن يغضب بعده مثله , فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون , فيبحثون عن شفيع قريب لكن الانبياء يتخلفون عن الشفاعة الا صاحب المقام المحمود يقول عندها : أنا لها ,
ورد عند البخارى من حديث ابى هريرة مرفوعا : ( فانطلق فآتى تحت العرش فأقع ساجدا لربى عز وجل ثم يفتح الله على من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلى , ثم يقال : يا محمد ارفع رأسك سل تعطه , واشفع تشفع ) .
ومن ثم أسماء الله التى تعرف بها الى عباده والتى خصها النبى صلى الله عليه وسلم بالعدد المشار اليه فى الاحاديث كلها حسنى وتتناسب مع أحوال العباد ودعائهم لله بها , وذلك ابتلاء من الله لهم فى الاستعانه به والصدق معه والرغبة اليه والخوف منه والتوكل عليه وغير ذلك من معانى العبودية التى تحقق العله من خلقهم .
والنبى صلى الله عليه وسلم لم يبين التسعه و التسعين اسما على وجه العد والتفصيل ليجتهد الناس فى البحث والتحصيل ,وفى ذلك حكمه بالغه أن يطلبها الناس ويبذلوا غايه جهدهم فى التعرف على أسماء ربهم التى ثبتت فى الكتاب والسنة , ثم يؤمنوا بها ويعملوا بمقتضاها.
وكل ذلك من باب المسارعه فى الخيرات ورفعه الدرجات وتتفاوت المنازل فى الجنات وتحقيق وعد النبى صلى الله عليه وسلم الذى يحفز الهمم ويبث على الطاعات لان من يلزم حفظ اسماء الله الحسنى واحصائها يتطلب مجاهدة وجهادا كبيرا .