ماذا تعلمنا من رمضان":":

أعزائي اعضاء وزوار منتدى الجبلين الكرام.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

ها قد أقبل رمضان.. وها نحن نستمتع بنفحاته ومعانيه.. ونستلذ بصيامه وقيامه.. ونرقى فيه إلى الله بمناجاته..
شهرٌ يملأ الخير جوانبه.. وتتجلى روحانياته في كل ركن من أركانه.. فهنيئا لنا بلوغنا هذا الشهر الكريم.. ونسأل الله أن يعيننا فيه على ذكره وشكره وحسن عبادته..
رمضان يعلمنا.. هذا هو العنوان الذي اخترته لمقالي هذا.. فشهر رمضان فيه من جوانب التربية والتنشئة الكثير إضافة إلى الجانب الإيماني..

فهو موسم يجب أن نستغله في إحداث التغيير الإيجابي المطلوب لكل واحد منا ليكون أفضل مما هو عليه.. وليصحح الخلل في جوانب شخصيته، ويقوي ما حسُن فيها..
وفي رمضان الكثير مما يتعلمه المؤمن ويستثمره لتغيير شخصيته.. وسأذكر بعضًا منه مما له أكبر الأثر في إحداث هذا التغيير بإذنه تعالى..

الإخلاص.. مرتبة من أسمى المراتب.. وليس سهلا أن تبلغ فيها مبلغا عظيما.. فهو الأساس الذي يترتب على صحته قبول عملك..
وهو الخطوة الأهم لبلوغ منزلة التقوى.. والتي جعلها الله تعالى الهدف الأسمى لصيام هذا الشهر الكريم..
يقول تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ).
ربما تتسائل.. وكيف ينمي رمضان الإخلاص في قلبك؟
كما تعلم.. فإن الصيام عبادة أقرب إلى أن تكون باطنة منها إلى ظاهرة.. فلا دليل ظاهر يدل على أنك صائم..
وبالتالي فإن صيامك أمر بينك وبين الله عز وجل.. تتجلى فيه أسمى مراتب الإخلاص.. حيث لا يعلم ما بقلبك إلا هو سبحانه..
لذلك جاء في الحديث القدسي: ( كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به )، ويا سعد من جزاه الله تعالى أجر إخلاصه في صيامه..
فإن أجر الصائم أجر تكفل بتحديده سبحانه.. وهنيئًا للصائم المخلص دخوله من باب الريان يوم القيامة.. وهنيئا له شربه من أنهار الجنة مع زوجاته من الحور العين بما لقي من ظمإ في الدنيا..
كل هذه الفضائل تدفعك بالتأكيد إلى أن تخلص عملك لله تعالى، وتصفي نيتك له سبحانه، لتنال عظيم الأجر والثواب..

الصبر.. خلق يرفع صاحبه.. وصفة يا سعادة من اتصف بها..
يأتي رمضان فيعلمنا هذا الخلق في كل عبادة فيه.. تصوم عن الطعام والشراب.. فتحس بالجوع والعطش.. فتصبر..
تقرأ القرآن الكريم.. وتحافظ على وردك اليومي منه.. وتحرص على أن تختمه على أفضل وجه.. فتصبر
تقوم ليلك.. وتتحمل مشقة القيام.. ويهفو قلبك داعيا ومناجيا حتى تنسى كل التعب والمشقة.. فتصبر..
تستيقظ ليلا وقت السحر.. لتطبق سنته صلى الله عليه وسلم في السحور.. أملا في نيل بركته.. فتصبر..
تقاوم شهواتك وملذاتك ونزوات النفس الأمارة بالسوء.. وتحفظ صيامك.. فتصبر..
فتخرج من هذا الشهر الكريم وقد أصبح الصبر خلُقك.. والحلم والتروّي صفات لا تفارقك..

يأتي رمضان.. فيسارع الجميع إلى طاعة الله تعالى..
فترى الكل مقبلاً غير مدبر.. مشمّرا عن ساعد الجد والإقبال على الله تعالى..
فتتبدل الأوقات في إيجابية مذهلة..
هذا الوقت الذي كنت تقضيه نوما.. ها أنت اليوم تقرأ فيه كتاب الله تعالى..
وذاك الوقت الذي كنت تضيعه سدى دون فائدة.. ها أنت اليوم تذكر الله تعالى فيه وتستغفره..
وذاك المال الذي كنت تصرفه في لهو ولعب.. ها أنت اليوم تتصدق به في سبيل الله تعالى..
وذاك الخُلق السيء الذي كان لا يفارقك.. ها أنت اليوم تتخلص منه تقربا منه سبحانه..
وها هي ساعات السهر على ما حرم الله.. انقلبت إلى صلاة وقيام ودعاء..
فما أجمل أن تكون إيجابيا هكذا دائما في حياتك.. وتحول ما ساء منها إلى حُلل من الجمال والطاعة لله تعالى..
أخرج طاقتك فيما ينفعك وينفع غيرك.. ولا تترك حالك السيء كما هو عليه.. وبادر إلى تبديله إلى حال أفضل..
اصنع من الليمون شرابا حلوًا.. واعلم دائمًا أن الله تعالى ( لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )

نعم.. هذه الإرادة التي استطاعت إحداث كل هذا التغيير هي إرادة قوية..
يزيدها قوة أن تستمر على قرارك الذي اتخذته.. وتستمر في هذا الدرب القويم الذي اخترته..
فتلك الإرادة التي قاومت شهوات نفسك وأهواءها قادرة بإذن الله أن تغير حياتك إلى الأفضل..
وأن تجعل منك إنسانا قويا بإرادته.. واثقا من نفسه.. حكيما في اتخاذ قراراته..
لنستعين بإراداتنا القوية بعد الله عز وجل لترتقي أمتنا بين الأمم.. ولنعيد لها مجدا ضائعا سُلب منا منذ زمن..

فلنحيا بالقرآن.. فوالله إنه لنبراس مجد وعزة ونصر وتوفيق ورفعة لكل من جعل حياته حياة بالقرآن..
نبينا صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن.. وكان الصحابة رضوان الله عليهم يتتبعون هذه الأخلاق بين تلك الآيات العظيمة،
ليقتدوا بنبيهم صلى الله عليه وسلم.. فكانوا سادة الأمم.. وفتحوا مشارق الأرض ومغاربها.. وضربوا مثلا لأناس ما عرف التاريخ أمثالهم ..
فحريٌ بنا.. بل ونحن أجدر - وهذا حالنا - أن نحيا بهذا الكتاب الكريم قولا وعملا، وأن نمتثل أوامره ونجتنب نواهيه ونتخلق بأخلاقه ومحاسنه..
فما رمضان في تشريفه إلا بالقرآن.. وما خُصّ رمضان بهذه المنزلة إلا بنزول هذا الكتاب العظيم في ليلة من لياليه..
فيا أمة القرآن.. لنحيا بالقرآن..

هناك الكثير والكثير مما يفترض أن نتعلمه من هذا الشهر الكريم.. ولي عودة قريبًا بالمزيد بإذن الله تعالى..

إلى هنا أكون قد وصلت إلى ختام مقالي.. وأسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما ينفعنا..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين